يكتب لها النجاح اللائق بدين الله الخالد.
ولقد تنبه لهذا أخيرا بعض الدعاة الإسلامين, فهذا هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى, فإنه بعد أن قرر تحت عنوان "جيل قرآني فريد" أن هذه الدعوة أخرجت جيلا مميزا في تاريخ الإسلام كله, وفي تاريخ البشرية جميعه, وأنها لم تعد تخرج من ذلك الطراز مرة أخرى, تساءل عن السبب مع أن قرآن هذه الدعوة لا يزال وحديث الرسول وهديه العملي وسيرته الكريمة كلها بين أيدينا كما كانت بين يدي ذلك الجيل الأول ولم يغب إلا شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب بأنه:
"لو كان وجود شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حتميا لقيام الدعوة وإيتائها ثمراتها ما جعلها الله دعوة للناس كافة, وما جعلها آخر رسالة, وما وكل إليها أمر الناس في هذه الأرض إلى آخر الزمان".
ثم نظر في سبب عدم تكرر المعجزة عدة عوامل طرأت, أهمها ما أشرنا إليه من اختلاف في طبيعة النبع فقال:
"كان النبع الأول الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن, القرآن وحده, فما كان حديث رسول الله وهديه إلا أثرا من آثار ذلك النبع فعندما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله قالت: كان خلقه القرآن1.
كان القرآن وحده إذن هو النبع الذين يستقون منه, ويتكيفون به ويتخرجون عليه, ولم يكن ذلك كذلك لأنه لم يكن للبشرية يومها حضارة, ولا ثقافة, ولا علم, ولا مؤلفات, ولا دراسات كلا فقد كانت هناك حضارة الرومان وثقافتها وكتبها وقانونها الذي ما تزال أوربا تعيش عليه, أو على امتداده. وكانت هناك مخلفات الحضارة الإغريقية ومنطقها وفلسفتها وفنها, وهو ما يزال ينبوع التفكير الغربي حتى اليوم, وكانت هناك حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها كذلك وحضارات أخرى قاصية