وليس أدل على ضرر التأويل على أصحابه المغرمين به من القول الذي شاع بينهم ولهجت به ألسنتهم كلما أثير بحث الصفات والإيمان بها على حقائقها أو على تأويلها ألا وهو قولهم:
" مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم "
والشاب المثقف اليوم الذي لم تتلوث ثقافته الشرعية بشيء من علم الكلام ربما لا يصدق أن أحدا من الخلف يقول مثل هذا القول! وحق له ذلك لخطورته وفظاعته ولكنه -مع الأسف- هو الواقع المعروف لدى طلبة الشريعة, وإليك مثالا واحدا على ذلك مما يقرؤونه على مشايخهم قال الباجوري في حاشيته "ص55" تحت قول صاحب "الجوهرة":
وكل نص أوهم التشبيها ... أوله أو فوض ورم تنزيها
"وطريقة الخلف أعلم وأحكم, لما فيها من مزيد الإيضاح, والرد على الخصوم, وهي الأرجح, ولذلك قدمها المصنف, وطريقة السلف أسلم لما فيها من السلامة من تعيين معنى قد يكون غير مراد له تعالى"!
وكلام الكوثري المشهور بعدائه الشديد لأهل السنة والحديث في تعليقاته كلها يدور على هذا المعنى من التفصيل المزعوم, وفي تعليقه على "السيف الصقيل" التصريح بذلك "ص132".
وهذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة, بل في غاية الضلالة! قال ابن تيمية في "العقيدة الحموية": "كيف يكون هؤلاء المتأخرون لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم, وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول:
لعمري قد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم