يلزم منه أنه في حيز وجهة، إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات، وما فوقه فليس هو كذلك، والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر ونقله عنهم الأئمة. وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان محتجين بقوله "وهو معكم" فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم، وهما قولان معقولان في الجملة. فأما القول الثالث المتولد أخيرا1 من أنه تعالى ليس في الأمكنة، ولا خارجاً عنها، ولا فوق عرشه، ولا هو متصل بالخلق ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متحيزة2، ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات، ولا خارجاً عن الجهات، ولا، ولا، فهذا شيء لا يعقل ولا يفهم مع ما فيه من مخالفة الآيات والأخبار، ففر بدينك، وإياك وآراء المتكلمين، وآمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وفوض أمرك إلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تم الكتاب والحمد لله وحده.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
315- قلت: نعم، إنما يفهمه القائلون بوحدة الوجود، وأن الخالق والمخلوق شيء واحد، بل لا شيء هناك يسمى خالقا أو مخلوقا، فكل ما تراه بعينك فهو الله! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، ولعل جهما وأمثاله من الدعاة الأولين كانوا يرمون من قولهم بأن الله في كل مكان، وأنه ليس على العرش، غرس عقيدة وحدة الوجود المستلزمة لنفي وجود الخالق تبارك وتعالى. ولكن بطريقة خبيثة خفية، ولذلك اشتد نكير السلف عليه، وعلى أتباعه، وصرح بعضهم -كما تقدم في ترجمة الإمام ابن المبارك وغيره- أن الجهمية يزعمون أن الله ليس بشيء! فماذا يقول السلف الصالح لو سمعوا اليوم غلاة الصوفيين وهم يقولون على المنابر: "الله، لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف، ولا داخل العالم، ولا خارجه"!