حكم الحديث المرسل، فهل الحديث المرسل إلا من أقسام الحديث الضعيف عند المحدثين، فكيف تثبت به فضيلة؟! بل كيف يبنى عليه عقيدة أن الله تعالى يقعد نبيه صلى الله عليه وسلم معه على العرش؟!
فمن جوز ذلك اعتمادا منه على هذا الأثر الذي أحسن أحواله أن يكون كالحديث المرسل -كما ذكرنا- فيلزمه أن يأخذ بكل حديث مرسل حتى ولو كان يتضمن مخالفة للشريعة، مثل قصة الغرانيق، فقد وردت بأسانيد عدة مرسلة، وهي صحيحة إلى مرسليها من التابعين، وقد صرحوا برفعها إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كما بينته في رسالتي الخاصة بها، "نصب المجانيق"، فإذا كان المصنف- عفا الله عنا وعنه- يبرر أخيرا الأخذ بهذا الأثر بحجة أنه يبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف، فليأخذ إذن بقصة الغرانيق بحجة أن رواتها من التابعين قد رفعوها إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صراحة! بل الأخذ بها أولى، لما ذكرنا من التصريح بالرفع، ولأن رواتها جمع بخلاف أثر مجاهد. وفي ذلك عبرة لكل معتبر.
118- الطحاوي، الإمام "239-321"
285- قال عالم الديار المصرية في وقته الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي الحنفي رحمه الله في العقيدة التي ألفها:
"ذكر بيان السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف وأبي محمد رضي الله عنهم:
نقول في توحيد الله، معتقدين أن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، وأن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على نبيه وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أن كلام الله بالحقيقة، ليس بمخلوق، فمن سمعه وزعم أنه كلام البشر فقد كفر، والرؤية لأهل الجنة حق بغير إطاحة ولا كيفية، وكل ما في ذلك من الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا نثبت قدم الإعلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصحيح الإيمان، ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه" إلى أن قال: