وانحسرت العقول دون معرفة قدره، فلم تجد العقول مساغاً فرجعت خاسئة حسيرة، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق، وإنما يقال "كيف" لمن لم يكن مرة ثم كان، أما من لا يحول، ولا يزول، ولم يزل، وليس له مثل، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو -إلى أن قال-:
فالدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، لا تكاد تراه صغراً1 يحول ويزول، ولا يرى له بصر ولا سمع، فاعرف غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه، بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، فإذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف، هل تستدل بذلك على شيء من طاعته، أو تنزجر به عن شيء من معصيته؟
فأما الذي جحد ما وصف الرب عن نفسه تعمقا وتكلفا فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران، فعمي عن البين بالخفي، ولم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فقال: لا يُرى يوم القيامة، وقد قال المسلمون لنبيهم صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا رسول الله؟ فقال: "هل تضارون في رؤية الشمس" الحديث 119- إلى أن قال- وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمة فتقول: قط! قط! ويزوي بعضها إلى بعض". وقال لثابت بن قيس: "لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة" وذكر فصلاً طويلاً في المعنى. رواه أبو بكر الأثرم2.
كان عبد العزيز من بحور العلم بالحجاز، نودي مرة بالمدينة بأمر المنصور: لا يفتي الناس إلا مالك وعبد العزيز بن الماجشون.