وَالْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ، فَيَمْتَنِعُونَ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ قَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210] وَقَوْلِهِ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] وَقَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالْآثَارِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ يُثْبِتُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَوَهُّمٍ، وَيَرَوْنَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ كَمَا جَاءَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى.

وَالْإِتْيَانُ وَالْمَجِيءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ، فَإِذَا كَانَ مَجِيءُ رَحْمَتِهِ أَوْ عَذَابِهِ كَانَ مُقَيَّدًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالرَّحْمَةِ وَالْخَيْرِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ} [الأعراف: 52] وَقَوْلُهُ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} [المؤمنون: 71] وَفِي الْأَثَرِ: لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا اللَّهُ.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْمَجِيءُ وَالْإِتْيَانُ الْمُطْلَقُ كَقَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ} [الفجر: 22] وَقَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210] وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مَجِيئُهُ سُبْحَانَهُ، هَذَا إِذَا كَانَ مُطْلَقًا، فَكَيْفَ إِذَا قُيِّدَ بِمَا يَجْعَلُهُ صَرِيحًا فِي مَجِيئِهِ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] فَعَطَفَ مَجِيئَهُ عَلَى مَجِيءِ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ عَطَفَ مَجِيءَ آيَاتِهِ عَلَى مَجِيئِهِ، وَمِنَ الْمَجِيءِ الْمُقَيَّدِ قَوْلُهُ: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: 26] فَلَمَّا قَيَّدَهُ بِالْمَفْعُولِ وَهُوَ الْبُنْيَانُ وَبِالْمَجْرُورِ وَهُوَ الْقَوَاعِدُ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَجِيءِ مَا بَيَّنَهُ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِذَا جَاءَ بِنَفْسِهِ لَا يَجِيءُ مِنْ أَسَاسِ الْحِيطَانِ وَأَسْفَلِهَا، وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر: 2] فَهَذَا مَجِيءٌ مُقَيَّدٌ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ قَدْ أَوْقَعَ بِهِمْ بَأْسَهُ، وَعَلِمَ السَّامِعُونَ أَنَّ جُنُودَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُسْلِمِينَ أَتَوْهُمْ، فَكَانَ فِي هَذَا السِّيَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ فِي الْآيَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ عَلَى حَقِيقَةٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دُنُوًّا مِمَّنْ يُرِيدُ إِهْلَاكَهُمْ بِغَضَبِهِ وَانْتِقَامِهِ كَمَا يَدْنُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ مِنَ الْحُجَّاجِ بِرَحْمَتِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015