{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 14] أَيْ أُنْزِلَ وَفِيهِ عِلْمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَرَاهِينِ عَلَى صِدْقِ نُبُوَّةِ مَنْ جَاءَ بِهِ.

وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَعْنَى: أَنْزَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَبُرْهَانٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْمَعْنَى أَنْزَلَهُ مُتَضَمِّنًا لِعِلْمِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ إِلَّا مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ وَأَعْلَمَهُ بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَقَالَ فِيمَا عَارَضَهُ مِنَ الشُّبَهِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَرْبَابُهَا: قَوَاطِعُ عَقْلِيَّةٌ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] وَقَالَ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمَعَادَ بِعَقْلِهِ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24] وَالظَّنُّ الَّذِي أَثْبَتَهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُعَارِضِينَ نُصُوصَ الْوَحْيِ بِعُقُولِهِمْ لَيْسَ هُوَ الِاعْتِقَادُ الرَّاجِحَ، بَلْ هُوَ كَذِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات: 10 - 11] .

وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ مَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُعَارِضِينَ لِنُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ بِعُقُولِهِمْ رَأَيْتَ كُلَّهُ خَرْصًا، وَعَلِمْتَ أَنَّهُمْ هُمُ الْخَرَّاصُونَ، وَأَنَّ الْعِلْمَ فِي الْحَقِيقَةِ مَا نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ اللَّهُ بِهِ حُجَّتَهُ، وَهَدَى بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَأَتْبَاعَهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164] فَهَذِهِ النِّعْمَةُ وَالتَّزْكِيَةُ إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ عَرَفَ زَعْمَ أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ، وَأَنَّ الْعُقُولَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ الْعَقْلَ تَحْتَ حَجْرِ الشَّرْعِ فِيمَا يَطْلُبُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ، وَفِيمَا يَحْكُمُ بِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015