وَالثَّانِي: قَوْلُهُمْ: "عِبَارَةٌ" إنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ، لَزِمَ 1أَنْ يَكُونَ1 كُلُّ تَالٍ مُعَبِّرًا عَمَّا فِي نَفْسِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُعَبِّرُ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ الْمُنْشِئُ لِلْعِبَارَةِ فَيَكُونُ كُلُّ قَارِئٍ هُوَ الْمُنْشِئُ لِعِبَارَةِ الْقُرْآنِ وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ. وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ عِبَارَةٌ عَنْ مَعَانِيهِ، فَهَذَا حَقٌّ؛ إذْ كُلُّ كَلامٍ فَلَفْظُهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنَاهُ، لَكِنَّ هَذَا لا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مُتَنَاوِلاً لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْكَلامَ قَدْ قِيلَ "إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي اللَّفْظِ مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى. وَقِيلَ: "حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى مَجَازٌ فِي اللَّفْظِ"، وَقِيلَ: "بَلْ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا". وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَجْمُوعِهِمَا2، كَمَا أَنَّ الإِنْسَانَ قِيلَ: "هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَدَنِ فَقَطْ". وَقِيلَ: "بَلْ فِي الرُّوحِ فَقَطْ". وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ3. فَالنِّزَاعُ فِي النَّاطِقِ كَالنِّزَاعِ فِي مَنْطِقِهِ4. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ. فَالْمُتَكَلِّمُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلامٍ لَهُ لَفْظٌ وَمَعْنًى، وَبُلِّغَ عَنْهُ بِلَفْظِهِ وَ5مَعْنَاهُ. فَإِذَا قِيلَ: "مَا بَلَّغَهُ الْمُبَلِّغُ مِنْ اللَّفْظِ": إنَّ6 هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْآنِ، وَأَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي لِلْمُبَلَّغِ عَنْهُ نَفَى عَنْهُ اللَّفْظَ الَّذِي لِلْمُبَلَّغِ عَنْهُ. وَالْمَعْنَى الَّذِي قَامَ بِالْمُبَلِّغِ. فَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ إلاَّ الْقُرْآنَ الْمَسْمُوعَ، الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015