وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: كُلُّ عَاقِلٍ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْخَبَرَ عَنْ كَوْنِ الْوَاحِدِ نِصْفَ الاثْنَيْنِ، وَعَنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، ثُمَّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ وَلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَالْمُخْتَلِفُ هُوَ الْكَلامُ اللِّسَانِيُّ، وَغَيْرُ الْمُخْتَلِفِ هُوَ الْكَلامُ النَّفْسِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُسَمَّى1 ذَلِكَ الْعِلْمُ الْخَاصُّ: سَمْعًا؛ لأَنَّ إدْرَاكَ الْحَوَاسِّ إنَّمَا هِيَ عُلُومٌ خَاصَّةٌ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْعِلْمِ فَكُلُّ إحْسَاسٍ عِلْمٌ وَلَيْسَ كُلُّ عِلْمٍ إحْسَاسًا2. فَإِذَا وُجِدَ هَذَا الْعِلْمُ الْخَاصُّ فِي نَفْسِ مُوسَى الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَلامِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى يُسَمَّى3 بِاسْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ السَّمَاعُ. اهـ.
هَذَا حَقِيقَةُ مَذْهَبِهِمْ. لَكِنَّ الأَشْعَرِيَّ وَأَتْبَاعَهُ قَالُوا: الْقُرْآنُ الْمَوْجُودُ عِنْدَنَا حِكَايَةُ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَابْنُ كُلاَّبٍ وَأَتْبَاعُهُ. قَالُوا: الْقُرْآنُ الْمَوْجُودُ بَيْنَ النَّاسِ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى لا عَيْنِهِ4.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَ5رَأَيْت الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ عَكَسَ عَنْهُمَا. فَجَعَلَ الْعِبَارَةَ عَنْ الأَشْعَرِيِّ، وَالْحِكَايَةَ عَنْ ابْنِ كُلاَّبٍ6.
وَقَالَ الأَشْعَرِيُّ: كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ يُسْمَعُ عِنْدَ تِلاوَةِ كُلِّ تَالٍ وَقِرَاءَةِ كُلِّ قَارِئٍ.