وَالْحُكْمُ هُوَ النِّسْبَةُ بَيْنَ الأَفْعَالِ وَالذَّوَاتِ؛ إذْ كُلُّ مَعْلُومٍ إمَّا أَلاَّ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ، فَهُوَ الْجَوْهَرُ، كَجَمِيعِ الأَجْسَامِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا. فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِلتَّأْثِيرِ فِي غَيْرِهِ، فَهُوَ الْفِعْلُ، كَالضَّرْبِ مَثَلاً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا. فَإِنْ كَانَ لِنِسْبَةٍ بَيْنَ الأَفْعَالِ وَالذَّوَاتِ، فَهُوَ الْحُكْمُ، وَإِلاَّ فَهُوَ الصِّفَةُ، كَالْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ.
وَخَرَجَ بِقَيْدٍ "الْفِعْلُ" الَّذِي هُوَ الاسْتِدْلال: عِلْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرُسُلِهِ فِيمَا لَيْسَ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ1؛ لِجَوَازِ اجْتِهَادِهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الاجْتِهَادِ.
وَخَرَجَ بِقَيْدِ "الْفَرْعِيَّةِ" الأَدِلَّةُ الأُصُولِيَّةُ الإِجْمَالِيَّةُ، الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي فَنِّ الْخِلافِ، نَحْوُ: "ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالْمُقْتَضَى، وَانْتَفَى بِوُجُودِ النَّافِي". فَإِنَّ هَذِهِ قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ إجْمَالِيَّةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي غَالِبِ الأَحْكَامِ؛ إذْ يُقَالُ مَثَلاً: وُجُوبُ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالْمُقْتَضَى، وَهُوَ تَمْيِيزُ2 الْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: عَدَمُ وُجُوبِهَا، وَالاقْتِصَارُ عَلَى مَسْنُونِيَّتِهَا: حُكْمٌ3 ثَبَتَ بِالْمُقْتَضَيْ. وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ مِفْتَاحُ الصَّلاةِ. وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ النِّيَّةِ. وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي فَنِّ الْخِلافِ4: إمَّا إثْبَاتُ الْحُكْمِ، فَهُوَ بِالدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ، أَوْ نَفْيُهُ فَهُوَ بِالدَّلِيلِ النَّافِي. أَوْ بِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ، أَوْ بِوُجُودِ الْمَانِعِ، أَوْ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. فَهَذِهِ أَرْبَعُ قَوَاعِدَ ضَابِطَةٌ لِمَجَارِي الْكَلامِ عَلَى تَعَدُّدِ جَرَيَانِهَا وَكَثْرَةِ مَسَائِلِهَا.