الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ1 كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ لَيْسَ مُتَمَحِّضًا فِي الْخَطَإِ وَلا فِي الصَّوَابِ، بَلْ هُوَ مُصِيبٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، مُخْطِئٌ فِي بَعْضِهَا، وَعَلَى هَذَا: فَالْمَذْهَبَانِ لا يَقْبَلانِ التَّرْجِيحَ، لإِفْضَاءِ ذَلِكَ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْخَطَإِ وَالصَّوَابِ2 فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، أَوْ بَيْنَ خَطَأَيْنِ أَوْ3 صَوَابَيْنِ، وَالْخَطَأُ لا مَدْخَلَ لِلتَّرْجِيحِ فِيهِ4 اتِّفَاقًا.
وَهَذَا الْوَجْهُ يُشِيرُ قَائِلُهُ فِيهِ إلَى أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ5 مَنْ نَفَى التَّرْجِيحَ فَإِنَّمَا أَرَادَ: لا يَصِحُّ تَرْجِيحُ مَجْمُوعِ6 مَذْهَبٍ عَلَى مَجْمُوعِ مَذْهَبٍ آخَرَ. لِمَا ذُكِرَ، وَمَنْ أَثْبَتَ7 التَّرْجِيحَ بَيْنَهُمَا8: أَثْبَتَهُ بِاعْتِبَارِ مَسَائِلِهِمَا9 الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ طَهُورٌ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، وَكَذَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ10.