قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا ثَبَتَ قِيَاسًا. فَإِمَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَصِّهِ عَلَى الْعِلَّةِ، أَوْ تَنْبِيهِهِ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ نَسْخُهُ بِنَصِّهِ أَيْضًا.
مِثَالُهُ: أَنْ يَنُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ، وَيَنُصَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ الْكَيْلُ، ثُمَّ يَنُصَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي الأَرُزِّ، وَيَمْنَعَ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْبُرِّ فَيَكُونَ ذَلِكَ نَسْخًا.
وَإِمَّا قِيَاسٌ مُسْتَفَادٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: فَلا يَصِحُّ نَسْخُهُ؛ لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَدَّدَ1 بَعْدَ وَفَاتِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ. اهـ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ لا يُنْسَخُ بِهِ: فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا2 وَالْجُمْهُورُ3 قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ, وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ, وَنَقَلَهُ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ.
قَالَ: لأَنَّ الْقِيَاسَ يُسْتَعْمَلُ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ فَلا يَنْسَخُ النَّصَّ؛ وَلأَنَّهُ دَلِيلٌ مُحْتَمَلٌ4، وَالنَّسْخُ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ مُحْتَمَلٍ.
وَأَيْضًا فَشَرْطُ صِحَّةِ الْقِيَاسِ: أَنْ لا يُخَالِفَ الأُصُولَ، فَإِنْ خَالَفَ فَسَدَ.
قَالَ: بَلْ وَلا يَنْسَخُ قِيَاسًا آخَرَ؛ لأَنَّ التَّعَارُضَ إنْ كَانَ بَيْنَ أَصْلَيْ الْقِيَاسَيْنِ فَهُوَ نسخ5 نَصٌّ بِنَصٍّ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ، لا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ.