وَمِنْهَا: أَنَّ مَحَلَّ عُمُومِهَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا نَفْيٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا نَحْوَ لَمْ يَقُمْ كُلُّ الرِّجَالِ. فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لِلْمَجْمُوعِ، وَالنَّفْيُ وَارِدٌ عَلَيْهِ. وَسُمِّيَتْ سَلْبَ الْعُمُومِ، بِخِلافِ مَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا. نَحْوَ: كُلُّ إنْسَانٍ لَمْ يَقُمْ. فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ فِي كُلِّ فَرْدٍ، وَيُسَمَّى عُمُومُ السَّلْبِ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَيَانِ. وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ" جَوَابًا لِقَوْلِهِ: أَنَسِيت1 أَمْ قَصُرَتْ الصَّلاةُ؟ أَيْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْ الأَمْرَيْنِ، لَكِنْ بِحَسَبِ ظَنِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلاسْتِفْهَامِ عَنْ أَيِّ الأَمْرَيْنِ وَقَعَ، وَلَوْ كَانَ لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، وَلا لِقَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ" فَإِنَّ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ يَقْتَضِيهِ الإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ.
وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِمْ: تُقَدَّمُ النَّفْيُ لِسَلْبِ الْعُمُومِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 2 فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ3 الْقَاعِدَةُ بِأَنْ لا يَنْتَقِضَ النَّفْيُ, فَإِنْ انْتَقَضَ كَانَتْ لِعُمُومِ السَّلْبِ، وَقَدْ يُقَالُ: انْتِقَاضُ النَّفْيِ قَرِينَةُ إرَادَةِ عُمُومِ السَّلْبِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
"وَ" مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "جَمِيعُ 4 " وَهِيَ مِثْلُ كُلِّ، إلاَّ أَنَّهَا لا تُضَافُ إلاَّ5 إلَى مَعْرِفَةٍ، فَلا يُقَالُ: جَمِيعُ رَجُلٍ، وَتَقُولُ جَمِيعُ النَّاسِ،