أَمَرَ سبحانه بِسُؤَالِهم والرُّجوعِ إلى بيانِهِم في كتابه المكنون بقوله عز قائلًا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل: 43].
والحاصِلُ أَن الآياتِ والأَحاديثَ والآثَارَ الواردَةَ في تعظيمِ العُلمَاءِ والتَّأَدُّبِ مَعَهُم، واحترامِهِم، ومحبتِهِم، واعتقادِهِم، والرُّجوعِ إِليهِمْ، وسُؤالِهِم، أَشْهَرُ من أن تُشْهَرَ وأجل من أن تُحْصَرَ، لكن في هذا القَدْرِ كفايةٌ للعاقِلِ النَّبِيل القَابِلِ للكمَالِ والتَحْصيل، وأما ذو الغَبَاوَةِ وَنَقْصِ العَقْلِ والأَدَبِ فلا يفيدُهُ التَّطْوِيل، ولو تُلِيت عليه التَّوراةُ والإِنْجِيل.
وينبغي للشَّيخِ أن يُقْبِلَ بكُلِّيَّتِهِ على الطَّالِبِ عند قراءَتِهِ عليه، ويُصغي إليه، من غيْرِ لَهْوٍ بحديثٍ أو غيره مِمَّا هو أجنبيٌّ عن ذلِك بلا ضَرُورةٍ. وَلَيَحْذَرِ الطَّالِبُ من قَطْعِهِ إملاءَ الشَّيْخِ وتقريرَهُ بِسُؤالٍ أو غيرِهِ، فإذا عَرَضَ لَهُ سُؤالٌ صَبَرَ إلى فراغِهِ مِمّا هو فيه، فإن لم يَمُرَّ سُؤالُه في تقريرِهِ سَأَلهُ عنه إذا سَكَتَ.
ولْيحذَرِ الطَّالِبُ غايَةَ الحَذَرِ من إظهارِ أَنَّهُ أَهْلُ فَضْلٍ وصَاحِبُ عِلْمٍ وَفَهْمٍ، وهو ليسَ كَذَلِكَ؛ لأَن النَّاس تغترُّ به حينئِذٍ فيتوهمونَ أنّهُ أهْلُ عِلْمٍ فيسألونَهُ فيُفتِي بِغَيْرِ عِلْمٍ، فيَضِلُّ ويُضِلُّ غيرَهُ لتحليلهِ وتحريمِهِ بهواهُ، فيكونُ ممن يفتري الكَذِبَ على اللَّهِ ورسولهِ، فَيَدْخُلُ تحت قوله: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ