المسألة الثانية: الخلاف في المسألة، وهو خلاف بين جمهور أهل العلم والأحناف، فالأحناف قالوا: يجوز لكل امرأة رشيدة بالغة عاقلة أن تزوج نفسها، واستدلوا على ذلك بأدلة، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والأيم أحق بنفسها).
ومنها: قوله: (الثيب أحق بنفسها، والبكر تستأذن، وإذنها سكوتها، والأيم أحق بنفسها).
والأيم: هي المرأة التي لا زوج لها، فبعضهم قال: هي أحق بنفسها على الإطلاق، وبعضهم قال: ليست أحق بنفسها على الإطلاق بل في الزواج.
وقالوا في حديث: (الثيب أحق بنفسها): إنها أحق بنفسها في كل شيء، فلها أن تزوج نفسها.
واستدلوا -أيضاً- بالقياس على الذمة الخاصة للمرأة؛ لأن المرأة أباح لها الشرع أن تشتري وتبيع وتملك وتورث وتعطي وتهب، فقالوا: هذه ذمة خاصة قد أقرها الشرع، فإذا كان يحل لها ذلك فبضعها لا تبذله إلا بمقابل وهو المهر، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4]، ومن السنة حديث المرأة التي وهبت نفسها للنبي فلم يرد عليها، فقام رجل فقال: (زوجنيها يا رسول الله! قال: أمعك شيء؟ قال: لا) وما زوجها إلا بأجرة تعليمه للقرآن.
وحديث علي عندما أراد أن يدخل على فاطمة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (صداقها -يعني: أعطها صداقها- فقال: ما معي يا رسول الله! فقال له: امهرها درعك الحطمية، فأتى بالدرع ولم يدخل عليها حتى أعطاها)، لكن هذا يدل على الاستحباب لا الوجوب.
أي: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمهرها) ليس بشرط للدخول عليها.
فالصحيح: أن الصداق ليس بواجب، ولكنه مستحب، وهو دين في ذمة الإنسان، فلا بد أن يعطي للمرأة صداقها.
فهنا قالوا: -أي: الحنفية- تبذل المرأة فرجها بالمهر المقابل لها، ويقولون: الذمة التي تذهب وتشتري وتبيع مثل الذمة التي يقاس عليها العقد، أي: طالما أنها تستطيع أن تعقد بغير ولي عقد بيع وشراء وهو شراء سلعة مقابل مال، فهي كذلك تبذل فرجها مقابل المال، فيكون هذا القياس قياس الشبه.
إذاً: فالأحناف هم الذين قالوا بهذا القياس، وقولهم هو الذي فتح باب القول بأن المرأة الرشيدة العاقلة التي جاوزت الواحد والعشرين سنة -كما يقولون- يصح لها أن تتزوج بغير ولي.
الراجح في هذه المسألة: عدم الجواز وهو قول جمهور أهل العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع النزاع، وقال -بأبي هو وأمي-: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل).
فأصل العقد باطل.
وقال: (باطل، باطل، باطل)، والراوي الذي روى هذه الرواية هو: أبو هريرة، والقاعدة عند المحدثين: (الراوي أعلم بما روى) وأبو هريرة نفسه قد قال: كنا نعد من تزوج نفسها بغير إذن وليها زانية، والعياذ بالله، إذاً: فالراجح والصحيح قول الجمهور.