وقال تعالى: " أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ" (سورة الأنعام 114) ( ... )

وإذا كان كذلك، فيقال: معلوم باتفاق أهل الملل، أنه ليس من شرط نبوة كل نبي أن يبشر به من قبله، إذ النبوة ثابتة بدون ذلك، لا سيما ونوح وإبراهيم وغيرهما لم يعلم أنه بشر بهما من قبلهما، وكذا عامة الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل لم تتقدم بهم بشارات إذ كانوا لم يبعثوا بشريعة ناسخة كداود وأشعيا وغيرهما.

وإنما قد يدعى هذا فيمن جاء بنسخ شرع من قبله، كما جاء المسيح بنسخ بعض أحكام التوراة وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم، ففي مثل هذا يتنازع المتنازعون من علماء المسلمين وغيرهم: هل يشترط أن يكون قد أخبر بذلك قبل النسخ؟ على قولين.

وحينئذ فالمسلمون يقولون: شريعة التوراة والإنجيل، لم تشرع شرعا مطلقا، بل مقيدا، إلى أن يأتي محمد. وهذا مثل الحكم المؤقت بغاية لا يعلم متى يكون، كقوله تعالى: " فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ" وقوله تعالى: " فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا" ومثل هذا جائز باتفاق أهل الملل.

وهل يسمى هذا نسخا؟ فيه قولان.

قيل لا يسمى نسخا، كالغاية المعلومة. كقوله تعالى: " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ" فإن ارتفاع وجوب الصيام بمجيء الليل، لا يسمى نسخا باتفاق الناس.

فقيل إن الغاية المجهولة، كالمعلومة.

وقيل: بل هذا يسمى نسخا، ولكن هذا النسخ جائز باتفاق أهل الملل، اليهود وغيرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015