ينبههم1، فكيف نكفر من لم يشرك بالله، إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل؟، {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} .
فقد ذكرنا لك - أيها السائل - ما يكشف عنك غطاءك، لو كان لك بصر ثاقب وفكر سديد، وفطنة كافية، تأخذ بيدك من أوهام الحيرة، وظلمات الوساوس، والله ولي التوفيق.
وأما ما ذكره السائل من استباحة الحرمين الشريفين: فاعلم أيها السائل الفاضل، أن هذا من الكذب والبهت البين، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} ، لم يقع فيهما قتال بحمد الله، فضلاً عن الاستباحة.
وإنما دخلهما المسلمون في حالة أمن، وصلح، وانقياد من شريف مكة، ورؤساء المدينة.
وجلس المشايخ منا في الحرمين الشريفين للتعليم والتدريس، وكتبت الرسائل في بيان التوحيد والتنزيه والتقديس، حتى جاءت العساكر: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً} .
وأما الأموال التي أخذت من الحجرة الشريفة، فلم تؤخذ ولم تصرف، إلا بفتاوى أهل العلم من سكان المدينة، ووضع خطوطهم بذلك.
وحاصل ما كتب: أن هذه الأموال وضعت توسعة لأهل المدينة، وصدقة على جيران رسول الله، وأُرصِدَت لحاجتهم، وأُعِدَّت لفاقتهم، ولا حاجة لرسول الله إليها، وإلى اكتنازها وادخارها في حال حياته، فضلاً عن حال مماته. وقد تقطعت أسباب أهل المدينة ومرتباتهم بمنع الحاج في تلك السنة، وأخرجت تلك الأموال لما وصفنا من الحال، باطلاع وكيل الحرم وغيره من أعيان المدينة وغيرها.