ويبدو أن اتساع المعارف وتنوع الثقافات الذي حدث في صدر الدولة العباسية قد أثار جدلا حول عدد من أمور العقيدة، ونشأ جيل من الناس قصرت بهم معارفهم عن فهم الإعجاز أو إدراك حقيقته، فتصدى علماء الأمة لدراسة هذا الموضوع وكتبوا فيه عددا من الرسائل والكتب، تبحث في سر الإعجاز وتسعى إلى بيان وجوهه وتوضيحها، ولا يتسع المقام لتتبع كل تلك الجهود، وإنما سوف أقتصر على عرض المعالم البارزة فيها.
1 - تكاد كلمة الباحثين تتفق على أن الجاحظ (أبا عثمان عمر بن بحر ت 255 هـ) هو أول من درس موضوع الإعجاز في كتاب مستقل، فقد ألف كتاب (نظم القرآن) (?)، ويبدو أن الجاحظ يذهب إلى أن إعجاز القرآن كائن في نظمه وتأليفه، وهو يرد في ذلك على شيخه إبراهيم بن سيّار النظّام (ت 224 هـ)، الذي زعم أن إعجاز القرآن كائن في أن الله تعالى صرف العرب عن معارضته، ولولا ذلك لكان في مقدورهم الإتيان بمثله، وسمّي هذا المذهب بالصّرفة، وهو قول أنكره جمهور علماء الأمة وردوه (?).
2 - ومن أقدم الكتب التي عالجت الموضوع كتاب (بيان إعجاز القرآن) لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت 388 هـ) الذي استهله بقوله: «قد أكثر الناس الكلام في هذا الباب قديما وحديثا، وذهبوا فيه كل مذهب من القول» (?).
ثم عرض الخطابي ثلاثة من تلك المذاهب، ولم يوافق القائلين بها، وهي (?):