وها هو زيد بن ثابت كاتب الوحي يقول: «إني لقاعد إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم إذ أوحي إليه، وغشيته السكينة، فوضع فخذه على فخذي، قال زيد، فلا والله ما وجدت شيئا قطّ أثقل منها» وفي رواية: «فثقلت عليّ حتى خفت أن ترضّ فخذي» (?).

وكان مما لاحظه الصحابة عند نزول الوحي ما رواه عدد من المحدّثين عن عمر بن الخطاب أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل» (?).

إن المتأمل لحالة نزول الوحي في جانبيها الغيبي الذي وضّحه النبي صلى الله عليه وسلم والمحسوس الذي وصفه الصحابة، رضي الله عنهم، يدرك أنها أبعد ما تكون عن حالة السبات الطبيعي الذي يعتري المرء في وقت حاجته إلى النوم، فإنها كانت تعرو النبي صلى الله عليه وسلم قائما أو قاعدا أو سائرا أو راكبا، بكرة أو عشيا، وكانت تعروه فجأة وتنقضي في لحظات يسيرة، لا بالتدريج الذي يعرض للوسنان الذي يغفو ويغرق في النوم، كما أنها حالة تباين كليا تلك الأعراض المرضية والنوبات

العصبية التي تصفرّ فيها الوجوه، وتبرد الأطراف، وتصطكّ الأسنان، وتتكشف العورات، ويحتجب نور العقل، لأنها حالة تتسم بالجلال والوقار، وهي مبعث نور لا ظلمة، ومصدر علم لا جهالة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015