والقول الصحيح هو الأول؛ لأنَّ المرسل فقد شرط الاتصال، والاتصال شرطٌ رئيسيٌ في صحة الحديث، وليس هناك فرق بين القول الأول والثاني؛ لأنَّ أصحاب القول الأول متَّفِقون على أن المرسل ليس من الضعف الشديد، يتقوى بالمتابعات والشواهد، فالقول الثاني ليس هو ناف للقول الأول، إلا أن الفرق أن الشافعي خصه بكبار التابعين، وسبب جعله قسيماً للقول الأول؛ أنَّنا لم نجد من فصَّله بهذا التفصيل الرائع، وعُد هذا من مآثر الإمام الشافعي، زيادة على أنَّ قضية تقوية الأحاديث تدرك بالمباشرة، وجعل ذلك تحت قاعدة كلِّية، يتورع عنها كثير من الناس، إذ لكل حديث حالته الخاصة لاسيما قضية تقوية الحديث بعمل أهل العلم به يتوقف فيها كثير من الناس.

مثال المرسل: ما رواه أبو داود في سننه (105) ، قال: حدَّثنا محمد بن سليمان الأنباري، حدَّثنا كثير بن هشام، عن عمر بن سليم الباهلي، عن الحسن، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((حصِّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع)) .

فهذا حديث مرسل، فإنَّ الحسن البصري تابعي، وقد أرسله إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر عمن سمعه، فهو ضعيف من جهة إرساله، وعدم اتصاله.

ومراسيل التابعين كلها ضعيفة، لكنّها تتفاوت، فبعضها أهون من بعض، بحسب قدم التابعي المرسل، وكبره، أو صغره.

فكبار التابعين: الذين أدركوا كبار الصحابة كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأكثر روايتهم إذا سمّوا شيوخهم عن الصحابة، وهؤلاء مثل: قيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، ومسروق بن الأجدع، ويندرج في جملتهم من يُطلق عليه اسم المخضرمين، وهم التابعون الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، لكنهم لم يثبت لهم شرف الصحبة، مثل: سويد بن غفلة، وعمر بن ميمون الأودي، وأبي رجاء العطاردي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015