ونستطيع أن نُقَعّد لذلك قاعدة، وهو: أنّ كل ما كان ضعفه بسبب عدم ضبط راويه الصدوق الأمين _ الذي لم تثلم عدالته _ فإنّ كثرة الطرق تقويه؛ فتنفعه المتابعات والشواهد، ويجبر ضعفه بمجيئه من طريق آخر، ونستفيد من تلك الطرق المقوية أنَّ حفظ الراوي الأول لم يختلَّ في هذا لحديث خاصة، بل إنَّه حفظ هذا الحديث؛ بدليل المتابعات، أو الشواهد، وبهذا يرتقي من درجة الضعيف إلى درجة الحسن لغيره.
ويضاف إلى هذا: ما كان ضعفه لإرسال، أو عنعنة مدلس، أو لجهالة حال بعض رواته، أو لانقطاع يسير؛ فإنَّ هذا الضعف يزول بمجيئه من طريق آخر، ويصير الحديث حسناً لغيره؛ بسبب العاضد الذي عضده.
أمّا إذا كان الضعف شديداً، فهذا لا تنفعه المتابعات ولا الشواهد، ولا يرتقي حديثه عن درجة الضعيف، ومثل هذا: من وصف بالكذب، أو اتهم فيه، وكذلك من وصف بالفسق، وكذلك الهلكى، والمتروكين، وشديدي الضعف، فمن كان ضعفه هكذا لا تؤثر فيه كثرة الطرق، ولا يرتقي عن درجة الضعيف؛ لشدّة سوء أسباب هذا الضعف، وتقاعد الجابر عن جبره، وهذه تفاصيل تدرك بالمباشرة، قال الحافظ ابن حجر في النزهة: ((ومتى توبع السيء الحفظ بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله، لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز والمستور، والإسناد المرسل وكذا المدَّلس إذا لم يعرف المحذوف منه، صار حديثهم حسناً، لا لذاته بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع والمتابَع لأن مع كل واحد منهم احتمال كون روايته صواباً، أو غير صواب على حدٍ سواء)) .
حكم العمل بالحديث الضعيف.
يعمل بالحديث الضعيف بشروط:
أولاً: أن لا يكون في الأحكام.
ثانياً: أن لا يكون في العقائد.
ثالثاً: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذّابين، والمتهمين بالكذب، ومن فحش غَلَطُه.
رابعاً: أن يندرج تحت أصل معمول.
خامساً: أن لا يُعتَقَدَ عند العمل ثبوته، بل يعتقد الاحتياط.