لبعضهم: كم تشرب، قال: مقدار ما أفسد به ديني، وقيل ذلك لآخر، فقال: مقدار ما أقوى به على ترك الصلاة.
روي أن الحسن بن زيد رضي الله عنه لما ولي المدينة، قال لابن هرمة: لست كمن باع دينه رجاء مدحك أو خوف ذمك، فقد رزقني الله بولادة نبيه صلّى الله عليه وسلم الممادح وجنّبني المقابح، وإن من حقّه عليّ أن لا أغضي على تقصير في حق ربه، وأنا أقسم لئن أتيت بك سكران لأضربنك حدا للخمرة وحدا للسكر، ولأزيدن لموضع حرمتك بي، فليكن تركك ذلك لله، تعن عليها ولا تدعها للناس فتوكل إليهم، فقال ابن هرمة:
نهاني ابن الرسول عن المدام ... وأدّبني بآداب الكرام
وقال لي إصطبر عنها ودعها ... لخوف الله لا خوف الأنام
وكيف تصبّري عنها وحبّي ... لها حبّ تمكّن في عظامي
أرى طيب الحلال عليّ خبثا ... وطيب النفس في خبث الحرام
كان أبو الهندي مولعا بالخمر، فقال له أبوه: إنها تورث السقم وتقل الطعم وتنحف الجسم، فقال: كلا إنها جوهرة قد امتزج فيها عرضان حمرة البهرمان وصفرة العقيان قد وصفها الله تعالى باللذة لشاربيها في القرآن، فرسّخ بذلك محبتها في الأبدان تجمع ما شت من شمل الإخوان.
وكان حارثة بن بدر مشتهرا بالشراب. وكان غلب على زياد فقيل لزياد: إنك تتهم لمصاحبته، فقال: كيف لي بأطراح من يسايرني مذ دخلت العراق، يصطك ركابه في ركابي ولا تقدمني فنظرت إلى قفاه، ولا تأخر عني فلويت عنقي له، ولا أخذ الشمس عليّ في الشتاء، ولا الظل في الصيف؛ ولا سألته عن علم إلا ظننت أنه لا يحسن غيره، فلما مات زياد جفاه إبنه عبيد الله، فقال له: أيها الأمير ما هذا الجفاء وقد عرفت مكاني من أبي المغيرة؟ فقال: إن أبا المغيرة لم يكن ليلحقه عيب وأنا حدث، ولا آمن أن تشم منك رائحة الخمرة إن جالستني، فأتهم فأتركها، وكن أول داخل وآخر خارج، فقال: أنا لا أتركها لمن يملك ضرّي ونفعي، أفأتركها لك. قال: فاختر إذا ما شئت من عملي فاختار رامهرمز، وقال: إن شرابها موصوف فلما توجه إليها استقبله جماعة، فيهم إياس بن إياس فأنشده:
أحار بن بدر قد وليت ولاية
الأبيات وتقدمت.
قيل للفرزدق: أي الأشربة أحب إليك؟ قال: أقربها من الثمانين يعني الخمر. وقال عبيد الله بن زياد للأحنف: أي الأشربة أطيب؟ فقال الخمر، قال: وما يدريك ولست من أصحابها؟
قال: رأيت من أحلت له لا يتعداها ومن حرمت عليه يتناولها، فلذلك عرفت طيبها.