فقليله حرام. وروي أن إبليس لما لعن، قال: يا ربّ اجعل لي شرابا، فقال: شرابك كل مسكر. وروي أنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: العنب والتمر والبر والشعير والعسل، ونهى عن الفصيخ «1» . وقال: ما خمّرته فهو خمر.
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: حرمت الخمرة بعينها والمسكر من كل شراب. وسمعت بعض العلماء يحتج في ذلك بقوله تعالى: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً
«2» فأخبر على سبيل الامتنان علينا باتخاذ السكر منه، وأخبار لا يصح فيها النسخ. ورفع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم رجل شرب مسكرا، فأمر به فضرب، فقال:
ألا أبلغ رسول الله عنّي ... بأنّي ما سرقت ولا زنيت
شربت شريبة لم تبق عرضا ... ولا أنا لذّة منها قضيت
فقال صلّى الله عليه وسلم: لو علمت ما ضربته.
استحضر عيسى بن موسى ابن عياش وابن إدريس فسألهما عن النبيذ، فقال ابن عياش: حلال، وقال ابن إدريس: حرام، فقال ابن عياش: أدركنا أبناء الصحابة والتابعين بهذه المدة يشربونها في الولائم حلالا كانت أو حراما، وبكاؤنا على أصل الدين أشد من بكائنا على النبيذ.
سئل بعض القدماء عن نبيذ العسل، فقال: حرام، فقيل لم؟ قال: لأنكم لا تؤدون شكرها. وقال بعضهم: سقاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه نبيذا شديدا، وقال: إنا نأكل لحوم هذه الإبل فنشرب عليها النبيذ الشديد ليقطعها في بطوننا. وأتي النبي صلّى الله عليه وسلم بنبيذ فشمّه وقطب وجهه ثم ضربه بالماء، وقال: إن هذا الشراب سيغتلم ويشتد فما عليكم فافعلوا به هكذا.
وقال حفص بن غياث: كنت عند الأعمش وعنده نبيذ فاستأذن قوم من أصحاب الحديث فسترته بمنديل فكرهت أن أقول لئلا يراه الداخلون، فقلت: لئلا يقع فيه الذباب، فقال: هيهات هو أمنع جانبا من ذلك.
قال النخعي: كانت الرواية كل سكر حرام فزادوا فيه الميم، وليس ما قاله بصحيح.
قال ابن أبي ليلى لأبي حنيفة: أيحل النبيذ وبيعه وشراؤه؟ قال: نعم، قال: أفيسرك أن أمك نباذة. فقال أبو حنيفة: أيحل الغناء وسماعه؟ قال: نعم، قال: أفيسرك أن أمك مغنية؟
ووضع رجل بالكوفة على باب المسجد نبيذا بين يديه وجعل ينادي: من يشتري