وقال ابن طباطبا:
أبو سليمان داود بن بنكلة ... قد فات في الحجم حذقا كل حجّام
وزان ذاك بصوت لا يجاوزه ... إلى الفضول سوى نطق بإبهام
لطفا ورفقا وحذقا في صناعته ... وخفّة لم تشن منه بإبرام
لولا مواقع موساه ومشرطه ... لخلتني منه في أضغاث أحلام
وقال محمد بن مسافر:
مزيّن حذّفني حاذق ... ليس له في النّاس من شبه
ظننت إذ حذّفني أنّه ... أحدث لي وجها سوى وجهي «1»
وقال أبو ذرّ البلخي:
كأنّما المحجم في كفّه ... شمس نهار آذنت بالغروب
يأخذ من مجروحه أرشه ... فيا له من جارح مستثيب «2»
استحضر عبد الله بن سليمان حجاما شيخا يقال له أبو دلحمة، وقال: أنا متبرم بحجامي لكثرة فضوله. فأخذ آلة التحذيف وطفق يشحذ الموسى فنظر الوزير إلى بعض أصحابه، فقال اعط القوس باريها، فقال أبو دلحمة: ما أول هذا البيت أيها الوزير. فقال الوزير: الله أكبر هربت من فضول فوقعت فيما فوقه، وقال ما هو يا أبا دلحمة، فقال:
أنشدني الرياشي بمكة:
يا باري القوس بريا ليس يحسنه ... أفسدت قوسك أعط القوس باريها
وكان أبو دلحمة من الشعراء والفضلاء.
وقال الفضل بن الربيع: قال لي الرشيد أطلب لي حجّاما أصمت من الحجر، فقلت: نعم، لي غلام سكيت، فقال: إبعثه إليّ. فدعوت به وأخذت عليه الوصيّة أن لا ينبس ولا ينبض عرقه إذا خدم أمير المؤمنين وأوصيته بأن يتأهب ثم دخلت إلى الرشيد فرأيته يضحك، وقال لي: إن لذلك الحجام شأنا ولا نراه بعد، ثم سألت فراشا مختصا بالرشيد عن خبره، فقال: إنه لما بدأ بالمحجمة قال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شيء فقال له ما هو؟ قال: لم قدّمت الأمين على المأمون والمأمون أسن منه؟ قال:
أخبرك بالجواب إذا فرغت، فلم يلبث غير قليل حتّى قال: وأسألك عن شيء آخر، قال الرشيد: هات، قال: لم قبلت جعفر بن يحيى، قال: وهذا أيضا أخبرك به إذا فرغت،