الانصراف إلى دارك أتدلج «1» علي؟ فقال: نعم، فكان يفعل ذلك به. فلما كان ذات يوم قتل بعض الخوارج صاحب شرطة زياد، فأمر زياد أن يقتل من في الحبس من الخوارج وكان مرداس خارجا، فقال أهله: اتّق الله في نفسك فإنّك مقتول إن رجعت، فقال: ما كنت لألقى الله غادرا وهذا جبار ولا آمن أن يقتل السجان فرجع، وقال للسجّان:
تساقط «2» إليّ ما عزم صاحبك عليه من قتل أصحابنا فبادرت لئلا يلحقك مكروه، فقال السجّان: خذ أي طريق شئت فانج نجّاك الله.
قال أبو عبيدة: لم تف امرأة لزوجها إلّا قضاعيتان نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان رضي الله عنه، وذلك أنه خطبها معاوية لما قتل عثمان فدعت بفهر «3» ، فقلعت ثنيتها «4» وقالت: أني رأيت الحزن يبلى فلم آمن أن يبلى حزنى فتدعوني نفسي إلى التزوّج وامرأة هدبة فإنها حين قتل زوجها قطعت أنفها وكانت حسنة الأنف لئلا يرغب فيها.
قال تعالى: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ
«5» وكان يحيى بن خالد إذا اجتهد في يمينه يقول: لا والذي جعل الوفاء أعز ما يرى. وكان يقول هو أعز من الوفاء، وقيل لحكيم أي أصناف الناس أقل وفاء فقال أهل الأمانة والوفاء.
قال موسى العلوي:
وخان الناس كلّهم ... فلا أدري بمن أثق
قال المتنبّي:
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع ... إن قاتلوا جبنوا أو حدّثوا شجعوا
أهل الحفيظة إلا أن تجرّبهم ... وفي التجارب بعد الغيّ ما يزع «6»
قال أبو فراس:
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ... ومن أين للحرّ الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلّهم ... ذئابا على أجسادهنّ ثياب
وله:
أبغي الوفاء بدهر لا وفاء له ... كأننّي جاهل بالدّهر والنّاس