اختصم الأصبهيد صاحب طبرستان والمصمعان صاحب دباوند في شيء، فكتب إلى الحجّاج أن يوجه رجلا يحكم بينهما، فوجه أياسا إليهما، فلما صار بالمنصف بعث إليهما فحضر الأصبهيد على سريره وألقى للمصمعان وسادة فقال أياس للأصبهيد: أنت ظالم وقد عرفت ذلك منك. قال فيم؟ قال: العدل أن تساويه في الحكم فقال: إذا أدع حقى ولا أساويه في المجلس فترك حقه وعاد إلى مكانه. وقال الرشيد يوما لجلسائه: إن عمارة قد ذهب في التيه كلّ مذهب وأحب أن أضع منه، فقيل له لا شيء أوضع للرجال من منازعة الرجال والرأي أن يؤمر رجل ليدعي أفضل ضيعة له أنه غصبه إياها، ففعل ذلك، فلما دخل عمارة قام الرجل فتظلم منه وشنّع عليه، فقال الرشيد: أما تسمع ما يقول الرجل؟ فقال من يعني؟ فقال الرشيد: يعنيك أنك غصبته كذا فقم واجلس معه مجلس الحكم. فقال: إن كانت هذه الضيعة له فلست أنازعه فيها وإن كانت لي فقد جعلتها له. فانقطع كلام الرجل فلما انصرف قال عمارة لرجل كان معه: من هذا المدّعي فإذا أنه لم يملأ عينه منه فأخبر الرشيد بذلك. فقال: سوّغنا «2» تيهه له بعد ذلك.
قال ابن المقفع: الإفراط في التواضع يوجب المذلّة، والإفراط «3» في المؤانسة يوجب المهانة. وقيل: من التواضع ما يضع.
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: إنّ من شرار الناس من أكرمه الناس اتقاء شرّه كان أبو العباس ضم المنصور إلى حميد بن قحطبة فقال له يزيد بن حاتم: أترضى بمتابعة حميد؟ فقال:
اسجد لقرد السّوء في زمانه ... وداره ما دام في سلطانه «4»
وفي المثل الحمى أضرعتني «5» لك.