وأتناول شرابا، فجاء صاحبه يوما وهو بين شطار، فقال: من هؤلاء؟ قال: فتيان الخلد يحبونني قبل رؤوسهم. فقال: أنت حر لوجه الله إن شئت. فقال: يا أحمق لو شئت لهربت منذ زمان. فحمله إلى النخاس فقال له النخاس: ما اسمك؟ قال: كنيتي أبو علي. قال: ما تحسن؟ قال: أعلم الجراحات السقيمات والسليمات وأعلّم البنين الإجارة والبنات التقحب «1» . أنا أخبث من قرد وأنوم من فهد وأروع من ثعلب وأنقب من جرذ وأسرق من سنّور وألصّ من عقعق «2» . فقال النخّاس: بكم أبو علي الكثير المحاسن؟ فقال: بما شئت.
فقال النخاس: بعشرين درهما، فقال صاحبه: إنه يقع عليّ بجملة، فقال العبد: انظر إلى أخي القحبة كانني خير من يوسف بن يعقوب وقد باعه إخوته بثمانية عشر درهما ومع أخي القحبة فضل درهمين، فباعه منه. فالتفت أبو علي إلى النخّاس وقال: أم من لا يندمك ألف قحبة.
وقال الجاحظ: اشتريت عبدا بمائة درهم فاسترخصته فتعشيت سمكا ونمت فاستدعيت منه ماء، فقال: أسكت، تأكل السمك وتشرب عليه الماء ليتولّد منه كذا وكذا، وامتنع فلما اشتد عطشي قمت وشربت فقال: يا مولاي احمل معك حتى أشرب أنا أيضا.
وقال رجل لعبد: أشتريك، فقال لا. لأني آكل فارها وأمشي كارها. وقيل لآخر: فقال:
أنا إذا جعت أبغضت قوما وإذا شبعت أحببت نوما، وقال: رجل لغلامه: إذهب إلى المنزل واحمل الشمع لأعود به إلى البيت، فقال: أنا لا أجسر تعال معي حتى أحمله فانصرف معك.
وذكر دغفل النسابة المماليك، فقال: هم عز مستفاد وغيظ في الأكباد، قال اليعقوبي:
لي حمار وغلام ... وهما يغتلمان
فحماري يعشق الأتن ... وذا رخو العجان
لو بهذا عفّ هذا ... لاستراح الثّقلان
قال رجل لغلام صديق له وقد شاخ ما حالك؟ قال: مولاي ينيكني منذ كذا وكذا سنة بالحجة، وذلك أنه يفعل في كل يوم، فإذا قلت يا مولاي قد شخت يقول يا بغيض من أمس إلى اليوم.
وقال رجل لغلام له قد التحى: أخرج من داري، فقال: رد إلي ما أخذت منّي خدّا أملس وفقحة «3» ضيقة.
وحلف رجل على غلام لأضربّنك، فاستعفاه الغلام، فقال: أتراني أعصي الله فيك، فقال: طالما عصيت الله في تعاطيك معي فخجل الرجل من أصحابه.