في حرة بلاد بني عبس نار تسطع باللّيل والنهار، ويظهر دخانها بالنهار، وكانت طيء تنقش فيها الإبل من مسيرة ثلاث. وربما ندرت منه عنق فتحرق ما تأتي عليه، فبعث الله خالد بن سنان وهو أول ولد إسماعيل عليه السلام، ولم يكن في أولاده غيره فاحتفر لها بئرا ثم أدخلها فيه والناس ينظرون، وهو يقول: كذب ابن راعية المعزى لأخرجن منها وجبيني يندى. ثم لما حضرته الوفاة قال إذا دفنتموني فاحضروا بعد ثلاث، فإنكم ترون عيرا أبتر يطوف بقبري، فإذا رأيتم ذلك فانبشوني أخبركم بما هو كائن إلى يوم القيامة. فلما حضروا بعد الثلاث ورأوا العير، اختلفوا قال ابنه: لا أفعل إني أدعى إذا ابن المنبوش. وقدمت ابنته على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: هذه بنت نبيّ ضيّعه قومه، وبسط لها رداءه. وقيل: سمعت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
فقالت: كان أبي يتلو هذه السورة والمتكلمون «1» ينكرون ذلك. فإن الله تعالى يقول: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى
. وخالد كان من الفدادين أعرابيا من أهل الوبر. وما بعث الله نبيا قط إلا من أهل القرى وسكان المدن.
أما النار العلوية فقد عبدت. قال الله تعالى: وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ
«2» وقد يجيء في الأثر وسنة بعض الأنبياء تعظيما على جهة المحنة وإيجاب الشكر على النعمة.
ويزعمم أهل الكتاب أن الله تعالى أوصاهم وقال: لا تطفئوا النيران من بيوتي وأما المجوس فقد جاوزوا الحدّ حتى اتخذوا لها البيوت والسدنة «3» والوقوف «4» الكثيرة.
إذا أرادوا حربا وقصدوا جمعا، يوقودون نارا عظيمة يجعلونها أمارة «5» لاجتماعهم، قال عمرو بن كلثوم:
ونحن غداة أوقد في خزازي ... رفدنا فوق رفد الرافدينا «6»
وقال الفرزدق:
ضربوا الصنائع والملوك وأوقدوا ... نارين أشرفنا على النيران