وجد أعرابي البرد فقيل له: هذا لكون الشمس في العقرب، فقال: لعن الله العقرب فإنها مؤذية في الأرض كانت أم في السماء.
قال شاعر:
قد منع الماء من المسّ ... وأمكن الجوّ من الحسّ
وقال أبو محمد المطراني:
وشتاء يخنق الكلب فلا يعلو هريره ... كلّما رام هريرا زمّ فاه زمهريره «1»
هو من قول الراعي:
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلفّ على خرطومه الذنبا
قال الرشيد: ما أبلغ بيت في شدة البرد فأنشد هذا البيت بعضهم، فقال أبلغ منه:
وليلة قرّ يصطلي القوس ربّها ... وأسهمه اللاتي بها يتنبّل
فقال: حسبك ما بعد هذا شيء، وقال ابن سمعون: البرد بالريّ رافضي، يقول بالرجعة، أي متى ذهب رجع. وقيل لأعرابي: أما تجد البرد؟ قال: لا لأن العري اتصل على بدني فاعتاده كاعتياد وجوهكم. وقيل لآخر: ما أصبرك على البرد. قال: كيف لا يصبر عليه من طعامه الريح وسراجه الشمس وسقفه السماء.
قال عروة بن الزبير: خير شتائكم ما اشتد برده، وخير صيفكم ما اشتد حرّه. وكانوا يستعيذون من الشتاء البارد.
وقال الأصمعي: ما وقع طاعون قط في بلد إلا في شتاء سخن أو تعقبه مضرّة البرد.
وقال سعيد بن عبد العزيز: البرد عدو للدين. وفي الخبر أن الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء لما يدخل في فقراء أمتي. وكان صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من كلب الشتاء.
صودف أعرابي يتكفّف ويقول:
جاء الشتاء ومسنا قرّ ... وأصابنا في عيشنا ضرّ
ضرّ وفقر نحن بينهما ... هذا لعمر أبيكم الشرّ
وقيل لشيخ: كيف أنت؟ قال: خلق في خلق.