قال رجل لأمير المؤمنين: صف لي الدنيا، قال: ما أصف في دار أولها عناء وآخرها فناء حلالها حساب وحرامها عذاب، من أمن فيها سقم ومن مرض فيها ندم ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن.
وقال بعض الصالحين: الدنيا دار غرست فيها الأحزان وذمّها الرحمن، وسلط عليها الشيطان يصل به الإنسان.
وسئل آخر عنها فقال: من نالها مات عنها ومن لم ينلها مات حسرة عليها.
وقال سفيان: الدنيا دار التواء لا الثواء من عرفها لم يفرح فيها برخاء، ولم يحزن بشقاء. وسمع حكيم رجلا يقول لآخر: لا أراك الله مكروها، فقال: دعوت عليه بالموت.
من عاش لا بدّ له من مكروه. وقال شاعر:
في كل دار ترحة وبلية ... وهموم دارك إن شكرت أقلها «1»
وقيل للنظام وفي يده قدح دواء: ما حالك؟ فقال:
أصبحت في دار بليّات ... أدفع آفات بآفات
وقال أبو علي كاتب بكر:
أفّ من الدنيا وأسبابها ... فإنّها للحزن مخلوقه
همومها ما تنقضي ساعة ... عن ملك فيها ولا سوقه «2»
وقال:
أمرّ الزمان لنا طعمه ... فما إن ترى ساعة عذبه
وقال:
مضى قبلنا قوم رجوا أن يقوّموا ... بلا تعب عيشا فلم يتقوّما
وقال المنصور:
كن موسرا إن شئت أو معسرا ... لا بدّ في الدنيا من الغمّ
وكلّما زادك من نعمة ... زاد الذي زادك في الهمّ
روي عن الأمام الشافعي رضي الله عنه، قوله:
محن الزمان كثيرة لا تنقضي ... وسرورها يأتيك كالأعياد «3»
وقال: