بمنزلة من يقول، أريد أن أحج من الغرب فأذهب إلى خراسان (?) ثم أذهب إلى مكة، بل بمنزلة من يقول أصعد إلى الأفلاك فأنزل في الأرض لأصعد إلى الفلك من الناحية الأخرى، فهذا وإن كان ممكناً في المقدار، لكنه يستحيل من جهة امتناع إرادة القاصد له، وهو مخالف للفطرة، فإن القاصد يطلب مقصوده بأقرب طريق لا سيما إذا كان مقصوده معبوده الذي يعبده ويتوكل عليه. وإذا توجه إليه على غير السراط المستقيم كان مسيره منكوساً معكوساً.
وأيضاً فإن هذا الجمع في سيره وقصده بين النفي والإثبات بين أن يتقرب إلى المقصود ويتباعد عنه، ويريده وينفر منه، فإنه إذا توجه إليه من الوجه الذي هو عنه أبعد وأقصى، وعدل عن الوجه الأقرب الأدنى، كان جامعاً بين قصدين متناقضين، فلا يكون قصده له تاماً، إذ القصد التام ينفي نقيضه وضده، وهذا معلوم بالفطرة، فإن الشخص إذا كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم محبة تامة ويقصده أو يحب غيره مما يحب - سواء كانت محبة محمودة أو مذمومة - ومتى كانت المحبة تامة، وطلب المحبوب طلبه من أقرب طريق يصل إليه (?) بخلاف ما إذا كانت المحبة مترددة مثل أن يحب ما يكره محبته في الدين فتبقى شهوته تدعوه إلى قصده وعقله