ولا ينقص منه قطرة، ولا يزيد في طول الإنسان ولا ينقص منه، ولا يغير شيئاً من صفاته ولا حركاته ولا سكناته، ولا ينقل حجراً عن مقره، ولا يحول ماء عن ممره، ولا يهدي ضالاً ولا يضل مهتدياً، ولا يحرك ساكناً ولا يسكن متحركاً. ففي الحملة لا يقدر إلا على ما وجد، لأن ما وجد فعينه ثابتة في العدم ولا يقدر على أكثر من ظهوره في تلك الأعيان.
وهذا التجلي والتعجيز الذي ذكره وزعم أنه هو سر القدر وإن كان قد تضمن بعض ما قاله غيره من الضلال ففيه من الكفر ما لا يرضاه غيره من الضالين. فإن القائلين بأن المعدوم شيء يقولون ذلك في كل ممكن كان أو لم يكن، ولا يجعلون علمه بالأشياء مستفاداً من الأشياء قبل أن يكون وجودها، ولا خلقه وقدرته مقصورة على ما علمه منها، فإنه يعلم أنواعاً من الممكنات لم يخلقها. فمعلومه من الممكنات أوسع مما خلقه، ولا يجعلون المانع من أن يخلق غير ما خلق هو كون الأعيان الثابتة في العدم لا تقبل سوى هذا الوجود، بل يمكن عندهم وجودها على صفة أخرى، هي أيضاً من الممكن الثابت في العدم. فلا يفضي قولهم لا إلى تجهيل ولا إلى تعجيز من هذا الوجه. وإنما قد يقولون المانع من ذلك أن هذا هو أكمل الوجوه وأصلحها، فعلمه بأنه لا أكمل من هذا يمنعه أن يريد ما ليس أكمل بحكمته فيجعلون المانع أمراً يعود إلى نفسه المقدسة حتى لا يجعلونه ممنوعاً من غيره، فأين من لا يجعل له مانعاً من غيره ولا راد لقضائه ممن يجعله ممنوعاً مصدوداً؟ وأين من يجعله عالماً بنفسه ممن يجعله مستفيداً للعلم من غيره؟ وممن هو عني عنه؟ هذا مع أن أكثر الناس أنكروا على من قال: ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم.
الثالث أنه رغم أن من الصنف الذي جعله أعلا أهل الله من يكون في علمه بمنزلة علم الله، لأن الأخذ من معدن واحد إذا كشف له عن أحوال الأعيان الثابتة في العدم فيعلمها من حيث علمها الله، إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له