فصل
اعلم - هداك الله وأرشدك - أن تصور مذهب هؤلاء كاف في بيان فساده ولا يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر، وإنما تقع الشبهة لأن أكثر الناس لا يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم، لما فيه من الألفاظ المجملة والمشتركة، بل وهم أيضاً لا يفهمون حقيقة ما يقصدونه ويقولونه، ولهذا يتناقضون كثيراً في قولهم، وإنما يتخيلون شيئاً ويقولونه أو يتبعونه، ولهذا قد افترقوا بينهم على فرق، ولا يهتدون إلى التمييز بين فرقهم، مع استشعارهم أنهم مفترقون، ولهذا لما بينت لطوائف من أتباعهم ورؤسائهم حقيقة قولهم، وسر مذهبهم، صاروا يعظمون ذلك، ولولا ما أقرنه بذلك من الذم والرد لجعلوني من أئمتهم، وبذلوا لي من طاعة نفوسهم وأموالهم ما يجل عن الوصف، كما تبذله النصارى لرؤسائهم، والإسماعيلية لكبرائهم، وكما بذل آل فرعون لفرعون.
وكل من يقبل قول هؤلاء فهو أحد رجلين إما جاهل بحقيقة أمرهم، وإما ظالم يريد علواً في الأرض وفساداً، أو جامع بين الوصفين. وهذه حال أتباع فرعون الذين قال الله فيهم " فاستخف قومه فأطاعوه " وحال القرامطة مع رؤسائهم، وحال الكفار والمنافقين في أئمتهم الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون " إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا " إلى آخر الآية وقوله " وألعنهم لعناً كبيرا " وقال تعالى " ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً - إلى قوله - وما هم بخارجين من النار ".
فصل
اعلم أن حقيقة قول هؤلاء أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة، ولهذا من سماهم حلولية أو قال هم قائلون بالحلول رأوه محجوباً عن معرفة قولهم خارجاً عن الدخول إلى باطن أمرهم، لأن من قال أن الله يحل في المخلوقات فقد قال بأن المحل غير الحال، وهذا تثنية عندهم وإثبات لموجودين (أحدهما) وجود الحق الحال (والثاني) وجود المخلوق المحل