مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فإن ذلك مخالف لعادته في عامة أسفاره فلو فعله أحياناً لتوفرت هممهم ودواعيهم على نقله كما نقلوا عنه المسح على الخفين لما فعله، وإن كان الغالب عليه الوضوء وكما نقلوا عنه الجمع بين الصلاتين أحياناً، وإن كان الغالب عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها الخاص، مع أن مخالفة لسنته أظهر من مخالفة بعض الوقت لبعض فإن الناس لا يشعرون بمرور الأوقات كما يشعرون بما يشاهدونه من اختلاف العذر فإن هذا أمر يرى بالعين إلى تأمل واستدلال بخلاف خروج وقت الظهر وخروج وقت المغرب فإنه يحتاج إلى تأمل، ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن جمعه إنما كان في غير عرفة ومزدلفة بأن يقدم الثانية ويؤخر الأولى إلى آخر وقتها، وقد روي أنه كان يجمع كذلك فهذا مما يقع فيه شبهة بخلاف الصلاة أربعاً لو فعل ذلك في السفر فإن هذا لم يكن يقع فيه شبهة ولا نزاع، بل كان ينقله المسلمون ومن جوز عليه أن يصلي في السفر أربعاً - ولا ينقله أحد من الصحابة، ولا يعرف قط إلا من رواية واحد مضعف عن آخر عن عائشة، والروايات الثابتة عن عائشة لا توافقه بل تخالفه - فإنه لو روي له بإسناد من هذا الجنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر مرة أربعاً لصدق ذلك، ومثل هذا ينبغي أن يصدق بكل الأخبار التي من هذا الجنس التي ينفرد فيه الواحد، مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، ويعلم أنه لو كان حقاً لكان ينقل ويستفيض، وهذا في الضعف مثل أن ينقل عنه أنه قال لأهل مكة بعرفة ومزدلفة ومنى: " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " وينقل ذلك عن عمر ولا ينقل إلا من طريق ضعيف، مع العلم بأن ذلك لو كان حقاً لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، وذلك مما روى أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة، قال: سأل سائل عمران بن الحصين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فقال: إن هذا الفتى يسألني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فاحفظوهن عني، ما سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً قط، إلا صلى ركعتين حتى يرجع، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً والطائف فكان يصلي ركعتين، ثم حججت معه واعتمرت فصلى ركعتين ثم قال: " يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " ثم حججت مع أبي بكر واعتمرت فصلى ركعتين ركعتين، ثم قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عمر

واعتمرت فصلى ركعتين وقال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عثمان واعتمرت فصلى ركعتين ركعتين، ثم إن عثمان أتم، فما ذكره في هذا الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في السفر قط إلا ركعتين، هو مما اتفقت عليه سائر الروايات، فإن جميع الصحابة إنما نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في السفر ركعتين. تمرت فصلى ركعتين وقال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عثمان واعتمرت فصلى ركعتين ركعتين، ثم إن عثمان أتم، فما ذكره في هذا الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في السفر قط إلا ركعتين، هو مما اتفقت عليه سائر الروايات، فإن جميع الصحابة إنما نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في السفر ركعتين.

وأما ما ذكره من قوله: " يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " فهذا مما قاله بمكة عام الفتح، لم يقله في حجته، وإنما هذا غلط وقع في هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015