إنما هو في الدعاء والذبح والنذر والتوكل والالتجاء ونحو ذلك. فإن جادل مجادل وزعم أنه ليس هذا، قيل له: فأخبرنا عما كانوا يفعلون عند آلهتهم، وما الذي يريدون وما هذا الشرك الذي حكاه الله عنهم؟.
فإن قال: شركهم عبادة غير الله. قيل له: وما معنى عبادتهم لغير الله؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق، وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن؛ لأن الله عزوجل ذ أخبر عنهم أنهم مقرون بذلك لله وحده.
فإن قال: إنهم يريدون منهم النفع والضر من دون الله، فهذا يكذبه القرآن أيضا؛ لأن الله أخبر أنهم لم يريدوا إلا التقرب بهم إلى الله، وشفاعتهم عنده كما قال تعالى حاكيا عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 1 وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 2.
وأخبر تعالى عن شركهم في غير آية من كتابه كقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} 3 أي: لا يدفعونه بالكلية، ولا يحولونه من حال إلى حال. ثم قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} 4.
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح والعزير والملائكة فبين الله لهم أن هؤلاء عبادي كما أنتم عبادي، يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي، وأخبر أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله، وهذا هو الإغاثة.
والمشركون يزعمون أن آلهتهم تشفع لهم بالسؤال عند الله والطلب منه فيقضي الله لهم تلك الحاجات؛ فأبطل هذه الشفاعة التي يظنها المشركون، وبين أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه فقال: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} 5 وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} 6.