ومَنْ رخَّص منهم في الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم فإنما يرخص فيما إذا سلم عليه، ثم أراد أن يدعو استقبل القبلة إما مستدبرا القبر، وإما منحرفا عنه، وهو أن يستقبل القبلة ويدعو، ولا يدعو مستقبل القبر.
وهكذا المنقول عن سائر الأئمة ليس منهم من استحب للمرء أن يستقبل القبر، أعني: قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عنده، فإذا كان هذا حالهم وفعلهم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره؟!
حدوث المشاهد للقبور بعد عصر السلف
ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الصحابة والتابعين مشهد يقصد بالزيارة، لا في الحجاز، ولا في الشام، ولا اليمن، ولا العراق، ولا خراسان، ولا مصر بعد ما فتح الله هذه البلاد، وصارت بلاد إسلام، وإنما حدث فيها بعد انقراض عصر السلف.
وصار يوجد في كلام بعض الناس فلان تُرْجَى الإجابة عند قبره، وفلان يُدْعَى عند قبره، وبعضهم يقول: قبر فلان الترياق المجرب، ونحو ذلك مما لم يكن معروفا في عهد الصحابة والتابعين، وقائل هذا أحسن أحواله أن يكون مجتهدا في هذه المسألة ومقلدا؛ فيعفو الله عنه، أما أن هذا الذي قاله يقتضي استحباب ذلك فلا، بل يقال: هذه زلة عالم، فلا يجوز تقليده فيها إذا عرف أنها زلة؛ لأنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر من العارف، وكلاهما مُفَرِّطٌ فيما أمره به ربه.
قال الشعبي: قال عمر رضي الله عنه " يفسد الزمان ثلاثة: أئمة مضلون، وجدال المنافق بالقرآن -والقرآن حق-، وزلة العالم"، وقال معاذ: "احذروا زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق"، وقال: