لَكُمْ} 1
بالوجهين:
"أحدهما" ما هو معلوم من الدعاء وغيره، وهو العبادة وامتثال الأمر له سبحانه، فيكون معنى قوله: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 2 أثبكم كما قال في الآية الأخرى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} 3 أي: يثيبهم على أحد التفسيرين.
"الثاني" ما هو خاص: معناه سلوني أعطكم، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فاستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" 4 فذكر أولا لفظ الدعاء، ثم السؤال، ثم الاستغفار، والمستغفر سائل، كما أن السائل داع، فعطف السؤال على الدعاء والاستغفار، فهو من عطف الخاص على العام، وهذا المعنى الثاني هو الإخلاص لوجهين:
"أحدهما" ما في حديث النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} " 5 فاستدلاله صلى الله عليه وسلم بالآية على الدعاء دليل على أن المراد منها سلوني، وخطاب الرب -سبحانه وتعالى- عباده المكلفين بصيغة الأمر منصرف إلى الوجوب ما لم يقم دليل يصرفه إلى الاستحباب، فيفيد قصور نقله على الله، فلا يجعل لغيره؛ لأنه عبادة، ولهذا أمر الله الخلق بسؤاله فقال: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِه} 6.
وفي الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم "سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل" 7 وله عن أبي هريرة مرفوعا: "من لم يسأل الله يغضب عليه" 8 وله أيضا: "إن الله يحب الملحين في الدعاء".
فتبين بهذا أن الدعاء من أفضل العبادات وأجل الطاعات.
"الوجه الثاني" أنه سبحانه قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 9 والسائل راغب راهب، وكل سائل راغب راهب فهو عابد للمسئول، وكل عابد فهو أيضا راغب راهب، يرجو رحمته ويخاف عذابه،