لأنه لم تبلغه الدعوة، وعمل بخصلة من الخير، واستدل لذلك بما في صحيح مسلم مرفوعا: والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار 1.
قال في شرح مسلم: خص اليهود والنصارى لأن لهم كتابا، قال: وفي مفهومه أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور. قال: وهذا جار على ما تقرر في الأصول "لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح". اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} 2 في هذا دليل على أن معرفة الله تعالى- لا تجب عقلا، وإنما تجب بالشرع وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك لم يقطع عليه بالنار. اهـ.
وفيمن لم تبلغه الدعوة قول آخر أنه يعاقب3. اختاره ابن حامد، واحتج بقوله تعالى-: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} 4. والله أعلم.
فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة 5، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل، وقد أخبر الله سبحانه- بجهل كثير من الكفار مع تصريحه بكفرهم 6.
ووصف النصارى بالجهل مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم، ونقطع إن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون، ونعتقد كفرهم وكفر من شك في كفرهم. وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر، والشك هو التردد بين