إذا عرف ذلك، تعين على كل مكلف معرفة حد الشرك وحقيقته، لا سيما في هذه الأزمنة التي غلب فيها الجهل بهذا الأمر العظيم.
والشيخ تقي الدين وتلميذه إنما بالغا في بيان الشرك، وإيضاحه لما شاهدا من ظهوره في زمنهما، وكثرته في بلاد الإسلام؛ وبينا بطلانه بالأدلة والبراهين القاطعة الواضحة، كما قال أبو حيان في حق الشيخ:
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ... مقام سيد تيم إذ عصت مضر
وأظهر الحق إذ آثاره اندرست ... وأخمد الكفر إذ طارت له شرر
الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر
وقولك: إن هذه الأمور المحدثة منها ما هو شرك أكبر، ومنها وما هو أصغر، فالأمر كذلك، لكن يتعين معرفة الأكبر المُخرج من الملة، الذي يحصل به الفرق بين المسلم والكافر، وهو عبادة غير الله؛ فمن جعل شيئا من العبادة لغير الله، فهو المشرك الشرك الأكبر.
من ذلك الدعاء الذي هو مخ العبادة، كالتوجه إلى الموتى، والغائبين بسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، كذلك الذبح، والنذر لغير الله.
كذلك يتعين البحث عن الشرك الأصغر؛ فمنه الحلف بغير الله، ونحو تعليق الخرز والتمائم من العين، وكيسير الرياء في أنواع كثيرة لا تحصى.
ومن كلام الشيخ تقي الدين، وقد سئل عن الوسائط، فقال بعد كلام: وإن أراد بالواسطة أنه لا بد من واسطة يتخذها العباد بينهم وبين الله في جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يكونوا واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم، يسألونهم ذلك، ويرجعون إليهم فيه؛ فهذا من أعظم الشرك الذي كفّر الله به المشركين؛ حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء، يجلبون بهم المنافع، ويدفعون بهم المضار، إلى أن قال: قال -تعالى-: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} 1 إلى قوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} 2.