يعلمون أنه محق، وأنه جاءهم بالهدى ودعا إلى الله، لكن في النفوس موانع، وهناك إرادات ومؤاخاة ورياسات لا يقوم ناموسها، ولا يحصل مقصودها إلا بمخالفته، وترك الاستجابة له وموافقته، وهذا هو المانع في كل زمان ومكان من متابعة الرسل وتقديم ما جاءوا به، ولولا ذلك ما اختلف من الناس اثنان، ولا اختصم في الإيمان بالله وإسلام الوجه له خصمان.
ثم بعد أن ظهر نور الشريعة وطبق مغارب الأرض ومشارقها، وشامها ويمنها، حدث بعد ذلك في الدين من الأغيار، ما لا يعلمه إلا العليم الغفار، وتفرق الناس في أديانهم، وتشعبت بهم الأهواء، وصاروا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، ومن طاف البلاد وخبر أحوال الناس منذ أزمان متطاولة عرف انحرافهم عن الأصل الأصيل، وبعدهم عما جاءت به الرسل من التفريع والتأصيل.
فكل بلد وكل قطر وكل جهة فيما نعلم فيها من الآلهة التي عبدت مع الله بخالص العبادات، وقصدت من دونه في الرغبات والرهبات، ما هو معروف مشهور لا يمكن جحده ولا إنكاره، بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن ادعوا لمعبوديهم مشاركة في الربوبية بالعطاء والمنع والتدبير، ومن أنكر ذلك عليهم فهو خارجي ينكر الكرامات، وكذلك في باب الأسماء والصفات، ورؤساؤهم وأحبارهم معطلة، وكذلك يدينون بالإلحاد والتحريفات، وهم يظنون أنهم من أهل التنزيه والمعرفة باللغات، ثم إذا نظرت إليهم وسبرتهم في باب فروع العبادات، رأيتهم قد شرعوا لأنفسهم شريعة لم تأت بها النبوات. هذا وصف من يدعي الإسلام منهم في سائر الجهات.
وأما من كذب بأصل الرسالة أو أعرض عنها ولم يرفع بذلك رأسا؛ فهؤلاء نوع آخر وجنس ثان ليسوا مما جاءت به الرسل في شيء، بل هم كما قال تعالى: {وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 1.