منه معنى ويستفاد، ولا صدر عن دراية ولا عن رواية، بل ولا تقليد، بل هو عن الصواب بمكان بعيد، بل هو زعم كاذب، لا أصل له في كلام أحد من طوائف الأمة، قد خالف اللغة والمنقول والمعقول.
بيان ذلك: أن أسماء المسميات موجودة في سابق علم الله -تعالى- قبل وجود مسمياتها، كاسم الجنس، وعلم الجنس، والمتواطئ، والمشترك، والأعلام ونحو ذلك، ثم إن الله -تعالى- علم آدم الأسماء كلها، كما قال -تعالى-: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1.
وجميع اللغات إنما وجدت بإلهام من الله -تعالى- ولم يحدث لها بعد ذلك تغيير ولا تقييد بعد الوضع الأول، وكل اسم وضع على مسماه، فمنها ما هو مشترك بين الحق والباطل، كاسم الإله فإنه يقع على كل معبود. إذا ألهه العبد بالعبادة صار مألوها، فإن كان الذي ألهه العبد بالعبادة هو الله وحده فهو الإله الحق، وهذا وصفه تعالى فيما لم يزل ولا يزال كما قال -تعالى-: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 2 وقال -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} 3 الآية، ولها نظائر في القرآن. فإن اتخذ العبد معبودا سوى الله فقد ألهه بالعبادة وصار باطلا كما في قوله: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} وهذا هو الأصل في وضع هذا الوصف لم يتغير إطلاقه عن الأصل على الإله الحق سبحانه.
وأما إطلاقه على غيره فمن جهة فعل العبد إذا ألَّه غير الله بالمحبة والإجلال، والخضوع والذل، والتوجه ودعائه، وغير ذلك من أنواع العبادة، فيكون قد ألهه بذلك، وشبهه بالإله الحق بعبادته له، فأطلق عليه بهذا الاعتبار، كما قال -تعالى-: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} 4 الآية.
فبين -تعالى- أن إلهيتها ليست بحق، والحق ما قام عليه البرهان. وقال -تعالى-: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ