وقول مالكها حال الإنشاد: حلال من الله، لا تأثير له، وقد صرحوا فيمن رد ضالة قبل بلوغه بذل مالكها للجعل أنه يحرم عليه أخذه، وهو من أكل المال بالباطل، مع كونه بعد بذل صاحب الضالة له، لكنه لم يسمعه، وهو في مقابلة عمله، ولم يرتكب فيه محرما عمدا، أو يمتنع من واجب، فكيف بمن كتم وأثم.
التحكيم ونفوذ حكم الحكم بالتراضي أو مطلقا
"السادسة عشرة": إذا تحاكم اثنان إلى رجل حكماه ورضيا به، هل يلزم أحدهما الآخر بما قاله، أم لا؟ وهل يفرق بينه وبين غيره، أم لا؟ وهل هو محسن، أم لا؟
"الجواب": إذا تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء، وحكماه بينهما، جاز ذلك، ونفذ حكمه عليهما، وبهذا قال أبو حنيفة، وللشافعي قولان: "أحدهما": لا يلزمهما حكمه إلا بتراضيهما.
ولنا ما روى أبو شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله هو الحكم فلِمَ تكنى أبا الحكم؟، قال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي الفريقان، قال: ما أحسن هذا، فمَن أكبر ولدك؟، قال: شريح، قال: فأنت أبو شريح"1 أخرجه النسائي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم "من حكم بين اثنين تراضيا عليه، فلم يعدل بينهما فهو ملعون" ولولا أن حكمه يلزمهما لما لحقه هذا الذم، ولأن عمر وأُبَيَّا تحاكما إلى زيد، وحاكم عمر أعرابيا إلى شريح قبل أن يوليه القضاء، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم. اه من شرح المقنع.
وقال في الإنصاف: نفذ حكمه في المال، وينفذ في القصاص والحدود، والنكاح، واللعان في ظاهر كلامه، وهو المذهب، وقال القاضي: لا ينفذ إلا في الأموال خاصة، وقال في المحرر والفروع: وعنه لا ينفذ في قَود وحدّ، وقذف ولعان ونكاح، وقال في الرعاية: وليس له حبس في عقوبة، ولا ضرب دية خطأ على عاقلة من رضي بحكمه، وما قاله في الإنصاف أولا هو المعتمد، قطع به في التنقيح، وتبعه من بعده، قال في