أن يقال في المجاز: هو في السماء لقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} 1.
وقال الإمام أبو الحسن علي بن مهدي الطبري تلميذ الأشعري في كتاب "مشكل الآثار" له في باب قوله -تعالى-: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} 2: اعلم أن الله في السماء فوق كل شيء، مستو على عرشه، بمعنى أنه عال عليه، ومعنى الاستواء الاعتلاء، كما تقول العرب، استويت على ظهر الدابة، واستويت على سطح الدار، بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي، واستوى الطير على قمة رأسي بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي.
فالقديم -جل جلاله وتعالت عظمته- عال على عرشه بذاته، بائن من مخلوقاته؛ لقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} 3 وقوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} 4 وقوله: {عْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} 5.
الرد على من أول الاستواء بالاستيلاء
وزعم البلخي أن استواء الله على العرش هو الاستيلاء عليه، مأخوذ من قول العرب استوى بشر على العراق إذا استولى عليها.
"فالجواب": أن الاستواء هنا ليس بمعنى الاستيلاء، لأن الله مستول على العرش، وعلى جميع مخلوقاته من حين أوجدهم كما هو المعلوم من الدين بالضرورة، فلا معنى حينئذ لتخصيص العرش بالاستيلاء عليه من دون سائر خلقه، فبان بذلك بطلان قوله، وكذلك أيضا الاستواء هنا ليس هو الاستيلاء الذي هو من قول العرب: استوى فلان على كذا، أي استولى إذا تمكن من بعد أن لم يكن متمكنا، والبارىء عز وجل لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكنا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون، وتابعوهم وأئمة المسلمين من المجتهدين والمقلدين، وبالله المستعان، وعليه التكلان.
وفيما ذكر كفاية لمن له أدنى دراية، وبالله التوفيق إلى سواء الطريق، وحسبنا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.