العلماء من عمومات النصوص، كما إذا ذبح المسلم نسكا متقربا به إلى غير الله: فإن هذا كفر بالإجماع، كما نص على ذلك النووي وغيره. وكذلك لو سجد لغير الله، فإذا قيل: هذا شرك؛ لأن الذبح عبادة والسجود عبادة، فلا يجوز لغير الله كما دل على ذلك قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 1 وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ} 2 فهذا صريح في الأمر بهما، وأنه لا يجوز صرفهما لغيره.
فيبقى أن يقال: فأين الدليل المُصَرِّح بأن هذا كفرٌ بعينه؟ ولازمُ هذه المجادلة الإنكارُ على العلماء في كل مسألة من مسائل الكفر، والردة التي لم يرد فيها نص بعينها، مع أن هذه المسألة المسئول عنها قد وجدت فيها النصوص الصريحة من كلام الله وكلام رسوله، وأوردنا من ذلك ما فيه الهدى لمن هداه الله.
نصوص الفقهاء في شرك من يدعو غير الله بالإجماع
وأما كلام العلماء فنشير إلى قليل من كثير، ونذكر كلام من حكى الإجماع على ذلك، قال في الإقناع وشرحه: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم كَفَرَ إجماعا؛ لأن هذا كفعل عابدي الأصنام قائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 3 انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين -رحمه الله-: وقد سئل عن رجلين تناظرا فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله؛ فإنا لا نقدر أن نصل إليه إلا بذلك. فأجاب بقوله: إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله: فهذا حق؛ فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به، وما نهى عنه إلا بالرسل الذين أرسلهم إلى عباده، وهذا مما أجمع عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى؛ فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده، وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أوامره ونواهيه.
قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} 4 ومن أنكر هذه الوسائط، فهو كافر بإجماع أهل الملل،