قال بعض السلف: هذه تقطع عروق شجرة الشرك من أصلها، ومعلومٌ أنَّ مَنْ يُخْلَقُ له مُلْكٌ مَا خَلَقَهُ، ولو كان ثَمَّ خالق غير الله تعددت الأرباب والآلهة، قال الله تعالى: {لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} 1، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 2، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 3، فعيسى دخل في عموم هذه الآيات، ولم يخالف في ذلك إلا من ضل من النصارى، قال تعالى في خصوص عيسى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 4، فكان عيسى بكن كما كان آدم، وقال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} 5 إلى قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} 6، فاعترف أن الله ربه وخالقه ومعبوده، فكفى بهذه النصوص ردًّا على من أشرك بالله وجعل معه خالقا آخر. وما احتج الملحد من قوله حاكيا عن جبريل أنه قال لمريم: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} 7، فيقال قراءة البصريين (ليهب لك) بالياء وهي تفسير للقراءة8، وعلى القراءة الأخرى نسبة الهبة إليه أنه بسبب نفخ الروح في درعها، والسبب يضاف إليه الفعل كما جزم به البيضاوي وغيره في هذه الآية، والله -سبحانه وتعالى- ينفذ أمره الكوني على يد من يشاء من ملائكته، وربما نسب الفعل إليهم كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} 9، وقال تعالى في موضع آخر: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ} 10، وقال تعالى: