صحيح جليل مثل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} 1 فالقرب في هذا ونحوه أضيف إلى العبد؛ والقلب إذا أناب إلى الله، وأخلص في عبادته، وصدق في معاملته، كان له من القرب بحسب صدقه وإخلاصه ورتبته من الإيمان، فترتفع عنه حُجُب الشهوات والشبهات، ويَنْقَشِعُ عنه ليلُها وظلامُها، وهذا المعنى حق لا يشك فيه. ويضاف القرب إلى الله كما في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 2، فهذا قرب خاص للسائلين والداعين، وقد يقرب من عباده ومن القلوب الطيبة كيف ما شاء، لكنه قرب خاص، ليس كما يظنه الجهميُّ من أن ذاته تحل في المخلوقات، فهو -سبحانه- ليس كمثله شيء في صفاته وكمال عظمته وقدرته، ينْزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، وهو مستو على عرشه، عالٍ فوق خلقه، لا تحيط به المخلوقات، ولا تحتوي عليه الكائنات، ويدنو عَشِيَة عرفة فيباهي ملائكته بأهل الموقف، ومع ذلك فصفة العلو والاستواء ثابتة في تلك الحال، لا يخلو العرش منه، ولا يعلم قدر عظمته إلا هو جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه. وقد يكون المؤمن المخلص القريب من الله في مكان، معه مَن هو ملعون مطرود عن رحمة الله، وهما في مكان واحد، كما جرى لموسى وفرعون. فالقرب الذي وردت به الأحاديث، وصرحت به النصوص، حجة على الجهمي المعطل للعلو القائل بأن الله في كل مكان، تعالى الله وتقدس. فهؤلاء الجهال خاضوا فيما قَصُرَتْ عقولهم وأفهامهم عن إدراك معناه وما يراد به، فصاروا في بحر الشبهات غرقى، لا يعرفون ربا، ولا يستدلون بصفة من صفاته على معرفة كماله وجلاله. وقد بَلَّغَ الرسولُ ما أنزل إليه من ربه قراءة على الناس، وأكثره في معرفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015