وببركة دعوته وبيانه حصل للإسلام من الظهور والنصر وإعلاء كلمة الله ما لم يحصل مثله في دياركم وأوطانكم منذ قرون متطاولة. فيجب شكر هذه النعمة ورعايتها حق الرعاية والعض عليها بالنواجذ، وأن لا يستبدل بموالاة أعداء الله ورسله والانحياز إلى دولتهم والرضى بطاعتهم، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} 1 الآية. فاتقوا الله عباد الله، واتقوا يوما ترجعون فيه لله، ودعوا اللجاج والمِرَاء، وتمسكوا بما جاء عن الله وعن رسله من البينات والهدى، ولا يسهل لديكم مبارزة رب السموات العلى، بما عليه غالب الناس اليوم من الكفر والتعطيل والشرك والجدال والمراء، ولا تفتحوا أبواب الفتن للمُشَاقَّة والتفرق والقدح في أهل الإسلام، فإن ذلك من الصد عن سبيل الله، ومن الفتنة عن دينه الذي ارتضاه، وقد جاء في الحديث: " إن هذا الحي من مُضَر لا تدع في الأرض لله عبدا صالحا إلا فتنته وأهلكته، حتى يدركها الله بجنود من عنده فيذلها حتى لا تمنع ذَنَبَ تَلْعَة " 2.وبعض مَنْ يدعي الدين إنما يتعبد بما يحسن في العادة ويثنَى عليه به، وما فيه مقاطعة ومجاهدة وهجر في ذات الله ومراغمة لأعدائه فذاك ليس منه على شيء؛ بل ربما ثَبَّطَ عنه وقدح في فاعله، وهذا كثير في المنتسبين إلى العبادة والمنتسبين إلى العلم والدين، والشيطان أحرص شيء على ذلك منهم، لأنهم يرونه غالبا دينا وحسن خلق فلا يُتَابُ منه ولا يستغفر؛ ولأن غيرهم يقتدي بهم، ويسلك سبيلهم فيكونون فتنة لغيرهم، ولهذا حَذَّرَ الشارع من فتنة مَنْ فسد من العلماء والعُبَّاد وخافه على أمته. فالمؤمن إذا حصل له ظفر بحقائق الإيمان، وصار