قبل أن يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ضربت الملائكة وجهه ودبره. وأظن هذا الجاهل رأى ما روي عن عكرمة عن ابن عباس أن قوما من أهل مكة أسلموا فاستخفوا بإسلامهم، وأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، وأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا فاستغفروا لهم فنَزلت {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} 1 الآية، فهذا القول ونحوه مما فيه ذكر من أخرج مع المشركين يوم بدر، لا يدل على أن الآية خاصة بهم بل يدل على أنها متناولة للعموم اللفظي، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وكذلك من قال من السلف: إن هذه الآية نزلت في أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا مع المشركين، فمرادهم أن هذه الآية تتناولهم بعمومها، ولم يريدوا أن هذا النفاق والقتال مع المشركين هو الذي نيط به الحكم ورتب عليه الوعيد، فإنهم أجل وأعلم من أن يفهموا ذلك. والسلف يعبرون بالنوع، ويريدون الجنس العام، ومن لم يمارس العلوم ولم يتخرج على حملة العلم وأهل الفقه عن الله، وتخبط في العلوم برأيه فلا عجب من خفاء هذه المباحث عليه وعدم الاهتداء لتلك المسالك التي لا يعرفها إلا من مارس الصناعة، وعرف ما في تلك البضاعة، وهذا الرجل من أجهل الناس بالضروريات فكيف بغيرها من حقائق العلم ودقائقه؟ وليتهم (أعني) هو وأمثاله اقتصروا على مجرد الإقامة، ولم يصدر عنهم ما اشتهر وذاع من الموالاة الصريحة وإيثار الحياة الدنيا على محبة الله ورسوله، وما أمر به وأوجبه من توحيده، والبراءة ممن أعرض عنه، وعدل به غيره وسوى به سواه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015