مخالف لما ذهب إليه الأئمة الأربعة، بل ولا خرج عن أقوال أئمة مذهبه، على أن الحق لم يكن محصورا في المذاهب الأربعة كما تقدم، ولو كان محصورا فيهم لما كان لذكر المصنفين في الخلاف، وأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم مما خرج عن أقوال الأربعة فائدة. والحاصل: أن هذا المعترض المجادل مع جهله، انعكس عليه أمره، فقبل قلبه ما كان منكرا، ورد ما كان معروفا؛ فأعداء الحق وأهله من زمن قوم نوح إلى أن تقوم الساعة، هذه حالهم وطريقتهم، فمن حكمة الرب أنه ابتلى عباده المؤمنين الذين يدعون الناس إلى ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدين بثلاثة أصناف من الناس وكل صنف له أتباع. (الصنف الأول) : من عرف الحق، فعاداه حسدا وبغيا كاليهود، فإنهم أعداء الرسل والمؤمنين كما قال تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} 1،: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 2. (الصنف الثاني) : الرؤساء أهل الأموال الذين فتنتهم دنياهم وشهواتهم لأنهم يعلمون أن الحق يمنعهم من كثير مما أحبوه، وألفوه من شهوات الغنى، فلم يعبؤوا بداعي الحق ولم يقبلوا منه. (الصنف الثالث) : الذين نشؤوا في باطل وجدوا عليه أسلافهم يظنون أنهم على حق، وهم على باطل، فهؤلاء لم يعرفوا إلا ما نشؤوا عليه، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وكل هذه الأصناف الثلاثة وأتباعهم، هم أعداء الحق من لدن زمان نوح إلى أن تقوم الساعة.