الرأس تعظيما وعبودية، وكذا سائر الواجبات والمستحبات. فحق الله على العباد أن يعبدوه وحده لا شريك له، ولا يشركوا به شيئا؛ والشرك في العبادة ينافي هذا التوحيد ويبطله، كما قال -تعالى-، لما ذكر خواص أوليائه ومقربي رسله: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1. والشرك قد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بتعريف جامع كما في حديث ابن مسعود أنه قال: "يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا، وهو خلقك" 2 والند المثل والشبيه.
[الإخلاص شرط قبول العبادة]
فمن صرف شيئا من العبادات لغير الله فقد أشرك به شركا يبطل التوحيد وينافيه؛ لأنه شبه المخلوق بالخالق وجعله في مرتبته؛ ولهذا كان أكبر الكبائر على الإطلاق، ولما فيه من سوء الظن به -تعالى-، كما قال الخليل -عليه السلام-: {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} 3، قال العلامة ابن القيم: أي فما ظنكم أن يجازيكم إذا لقيتموه، وقد عبدتم غيره؟ وما ظننتم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره؟ فلو ظننتم به ما هو أهله من أنه: {كُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 4، و: {كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 5، وأنه غني عن كل ما سواه، وكل ما سواه مفتقر إليه، وأنه قائم بالقسط على خلقه، وأنه المتفرد بتدبير خلقه، لا يشرك فيه غيره، والعالم بتفاصيل الأمور، ولا تخفى عليه خافية من خلقه، والكافي لهم -وحده- لا يحتاج إلى معين، والرحمن بذاته، فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه.
[الله غني عن عباده]
وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء؛ فإنهم محتاجون إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم، والذي يعينهم على قضاء حوائجهم، وإلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعة، فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم